المجلس الثالث (الجزء الثالث) – مجلس فصول السنة

2019-10-06 13:14:58

ولم يترك القائد المؤسس رحمه الله مواطنيه بمعزل عن الدخول معه في هذا الاهتمام، بل أشركهم عن طريق توزيع الأراضي الزراعية المستصلحة لهم ليساهموا في زراعتها، حيث بلغت مساحة المزارع من خلال متابعته وتوجيهاته في العام 1997 نحو 879 ألفا و234 دونما، موزعة على نحو 22930 مزرعة، وواجه رحمه الله ندرة المياه فشق الأفلاج وحفر الآبار، ودشن مشاريع تحلية المياه.

وكان يهتم بإعانة المواطنين ومواساتهم بالمزارع لينتفعوا بها إلى جانب إشراكهم في الزراعة، وانتشار المزارع في الإمارات.

  وفي هذا الإطار تحضرني قصة واقعية حكاها لي أحد المواطنين مفادها أنه كان في مجلس الشيخ زايد رحمه الله، وكان عدد المجلس بسيطا، وجيء برطب إلى الشيخ زايد فأمره بالأكل منه، وسر الرجل بذلك، وقال له الشيخ زايد: هل مزرعتك تنتج مثل هذا الرطب؟ فاستحيى الرجل من الجواب؛ فأعاد عليه الشيخ السؤال مرتين، ولما لم يجبه قال له: أعندك مزرعة؟ فقال له: لا. ما عندي مزرعة أطال الله عمرك. فقال الشيخ زايد: وإخوتك هل عندهم مزارع؟ فقال: لا. فأمر له الشيخ زايد بخمس مزارع جاهزة له ولأبيه وإخوته، وقال الرجل إن عشيرته كانت لهم مزارع، وهو وأبوه وإخوته ليست لهم مزارع، وأنه استحيى من أن يكلم الشيخ زايد.. وكانت هذه المزارع جاهزة أحسن من المستوى الذي كانت عليه مزارع أهاليه عند استلامهم إياها.!!

وفي نفس المجال وسياق الاهتمام بالمزارع والأشجار لم يكن صندوق أبوظبي ولا مؤسسة الشيخ زايد منذ إنشائهما يتوانيان عن المساعدة في عدد غير قليل من البلاد التي تعاني من وباء قطع الأشجار، لكن الشيخ زايد رحمه الله وجد حلا جزئيا على الصعيد المحلي موضحا:" لا نريد أن نكتفي بالمحافظة على الشجرة الموجودة فقط، بل نريد أن نزرع إلى جانبها شجرا كثيرا.."

وتطبيقا لهذه المقولة أمر منذ مطلع رئاسته بزراعة ما أمكن من الأشجار في أوسع ما يمكن من المساحات. وكان ذلك دأبه إلى جانب إنجازاته في استصلاح الأراضي الزراعية لإقامة آلاف المزارع الجديدة عليها، التي كان يشدد على ضرورة زراعة الأشجار فيها بكثرة، وكان يصر على إحاطة جوانب كل الطرقات ومحاورها بالأشجار الخضراء، إلى جانب حرصه على إنشاء الحدائق العامة، والمراعي الخضراء في سائر أرجاء الإمارات، كما زرع آلاف الكيلومترات المربعة بالأشجار والنباتات الصحراوية التي تنمو عادة في الأراضي الساحلية ذات التربة المالحة

ويمكن أن نقول إنه يستحيل على أي شخص أو جهة إعطاء رقم ولو تقديريا لعدد الأشجار التي نثرها الشيخ زايد رحمه الله في كل مكان من أرجاء الإمارات وخارجها، وإن كانت بعض التقديرات تشير إلى أن العدد قد يتراوح ما بين مائة مليون ومائة وخمسين مليون شجرة، وذلك لأن الشيخ زايد كانت لديه قناعة راسخة بأن الأشجار ليست أقل أهمية على صعيد البنى التحية المدنية من الطرقات والأبنية

ونتيجة لسياساته الحكيمة في مجال البيئة حصلت دولة الإمارات العربية المتحدة على كثير من الشهادات التقديرية والجوائز حيث تم اختارها مقرا للأمانة العامة للهيئة التنسيقية للصندوق العالمي للحفاظ على الطبيعة لصون المها العربي، وكذلك اختيرت في عام 2000م لمنصب رئاسة جماعة السلاحف البحرية لمنطقة غرب المحيط الهندي التي تتبع للاتحاد العالمي لصون الطبيعة، وذلك تقديرا لدورها في مجال حماية الأنواع المهددة بالانقراض من السلاحف البحرية، كما تبنى مؤتمر القمة للتنمية المستدامة الذي انعقد في مدينة جوهانسبورج في جنوب إفريقيا خلال شهر سبتمبر 2002 مبادرة أبوظبي العالمية للبيانات البيئية التي تهدف إلى تعزيز التعاون بين الدول المتقدمة والدول النامية في ميادين المعلومات البيئية

ومن هذا نلاحظ أن الشيخ زايد رحمه الله كان كالمطر حيثما نزل نفع، وكان كلما حل في منطقة حل فيها الخير والبركة، ولا يصحب معه شيء من التجهيزات والترتيبات التي أعدت في المنطقة من أجل قدومه. وهذا يدل على فلسفته العميقة في التخطيط لبناء كل منطقة من خلال زيارته؛ فهو لا يريد التجهيزات والترتيبات لمجرد متعة الزيارة، وإنما كان يريد للمنطقة أن تحفر فيها الآبار وتشق فيها الطرق، ويهيأ فيها كل المرافق الضرورية التي تحتاجها الساكنة، ويختار الظرف والعنوان المناسب لذلك وهو زيارته ليتم المطلوب على أحسن وجه، ويقف هو بنفسه على إنجاز العمل

فانظر إلى هذا النوع من الكرم والاهتمام والمتابعة الذي عند الشيخ زايد، والذي هو منعدم النظير، ويدل في نفس الوقت على أنه كان يربي جيلا على خلق الكرم والتكافل والرعاية والعناية ببيئته.

وقد بنت خيمة التواصل العالمية على هذا المجلس فكرة القيام  ببرنامج أسمته برنامج السواعد الخضراء الذي تبنته لنشر ثقافة البيئة، وقد قامت في هذا الإطار بتظاهرة" زايد والبيئة" بالتعاون مع وزارة البيئة وهيئة البيئة، واستضافت علماء ومحاضرين لهذا الطرح، وأصبح لها حضور في الملتقيات والندوات والمؤتمرات المحلية والإقليمية والدولية في مجال البيئة، وأصبحت لديها شخصيات مرجعية وممثلون في عدة نواحي من أنحاء العالم، وبذلك قطعت شوطا كبيرا في هذا المجال، وكتابنا " رؤية رجل التواصل العالمي في إسعاد القيادات والشعوب" ركز على مراحل اهتمام خيمة التواصل العالمية بالبيئة، والتظاهرات والأنشطة التي قامت بها في هذا الصدد

;وقد اختير بالإجماع الدكتور جمال سند السويدي رئيسا لهذا البرنامج منذ انطلاقته الأولى بمركز الدراسات الاستراتيجية، وانبثق عن هذا البرنامج الآن شركة سميناها "بوابة السواعد الخضراء"