المجلس الاول – زايد ومفهوم السعاده

2019-10-02 12:06:20

المجلس الرئيسي

وفي هذا المجلس كان الشيخ زايد طيب الله ثراه يستلم جميع مطالب شعبه، ويذلل الصعاب لهم، ويشجع أبناءه ماديا ومعنويا على إعمـار وزراعة أرضهم؛ فيحفزهم ويعينهم بما يحتاجونه لقيام مشاريعهم وتحقيق أهدافهم...

ومن خلال المجلس والتشاور مع أصحاب الرأي أرسى دعائم السعادة ونهض بالإنسان والعمران؛ فكان يستدعي الخبراء والمفكرين من كل حدب وصوب في المعمورة ليعرض عليهم أفكاره الطموحة التي تراوده، ولا تفتر عزيمته، ولا تتراجع همته، ولا يستقر باله حتى تتحول تلك الأفكار إلى واقع مشاهد بعد أن كانت أضغاث أحلام وأفكار مجردة بعيدة عن الواقع، صعبة المنال عند الخبراء وأصحاب التخصصات حسب معطياتهم وتنبؤاتهم، وتحدى رحمه الله أطروحات المهندسين الزراعيين الذين أكدوا استحالة التغلب على تحيات التضاريس القاسية والأحوال المناخية، وندرة المياه ليدشن بإرادته الصلبة مشاريع القرى والمدن الآهلة الآن بالسكان والعمران والمرافق المتطورة، ومشاريع الغابات المحيطة بالعاصمة، ومشاريع زراعة أشجار القرم في ربوع دولة الإمارات، والتي كان مكانها بالأمس القريب صحارى جرداء قاحلة، لا ماء ولا كهرباء، لا تنبت كلأ ولا مرعى،وتكثر فيها المرتفعات والمنخفضات والفيافي والمتاهات، ولا يصل إليها القاصد إلا بشق النفس...!!

ولم يكتف الشيخ زايد طيب الله ثراه بالتركيز على نهضة الإنسان والعمران وإن كان بناء لا بد من التأسيس عليه والبدء به من الناحية الحسية الملموسة والمشاهدة، بل شمل اهتمامه شقا آخر لا بد منه وضروري لقوة وصلابة واستمرار بناء الإنسان والعمران من الناحية المعنوية القيمية والمبدئية، وذلكم الجانب المهم هو ترسيخ قيم السعادة والتسامح والمحبة في بني الإنسان حيث جعل من إنسان الإمارات منطلقا وعينة ومثالا يمكن الانطلاق منه والاحتذاء به وتعميم تجربته في باقي بني الإنسان في أنحاء العالم.!!

ولنزول الشيخ زايد طيب الله ثراه للساحة ومجالسة شعبه بكل عناية وتواضع أثر كبير في النفوس, لم يتخذ مكتبا، وإنما كان مكتبه الأساسي هو المجلس، وكانت له زيارات صباحية لمتابعة المشاريع والبنية التحية للدولة لاهتمامه بها؛ فمنذ الفجر وهو يشرف على سيرالمشاريع، ويتابعها بنفسه في كل منطقة، وهذا يدل على اهتمامه الكبير بشأن مواطنيه وما يتعلق بمصالحهم، وفي هذا السياق أورد سمو الشيخ محمد بن زايد قصة يقول فيها:" كنا نبحث عن الوالد وإذا به في منطقة وسط عمال شركة يعلو فيها الدخان والغبار، وهو يشير إلى العمال بيديه: اجعلوا هذا هنا، وذاك هناك تماما كما يفعل المشرف على فريق عمال الشركة"..!

وكان في علاقته بأبنائه يحرص على أن يغرس في نفوسهم القيم الإسلامية والعربية الأصيلة، ويحثهم على بذل الجهد من أجل رفعة الوطن وازدهاره، كما أنه كان ينظر إلى أفراد شعبه كأفراد أسرة واحدة كبيرة، لذلك لا تختلف علاقته بهم باختلاف أماكنهم، إنهم جميعا في قلبه الكبير، وجميعا في دائرة اهتمامه، ويحرص على أن يتحلى الجيل الجديد بالقيم الأصيلة والانتماء لتراب الوطن، والارتباط بكل مفردات تراثه وتاريخه.

وكان يترك في مجلسه ساحة كبيرة للعلماء والمثقفين والمفكرين من الوطن العربي ومن أنحاء العالم فيستمع إلى آرائهم ومشاركاتهم واقتراحاتهم وأفكارهم، وبذلك يعتبر الشخصية الوحيدة في الوطن العربي التي تستمع وتنصت أكثر مما تتكلم...! وهذا النوع الفريد لم نسمع عن مثله في تاريخ العصور الحديثة...

وأمام هذه العبقرية الفذة، وهذا التعامل الفريد لم يستطع الشعراء والأدباء والكتاب

إلا أن يسطروا بعض تلك المآثر والمواقف من خلال أشعارهم وأدبهم وكتاباتهم، ونورد هنا بعض الأمثلة التي تنم عن صدق عاطفة القائل، وتعطي ملمحا قليلا عن قوة الدافع والحامل على القول:

فاستمع إلى أحد الشعراء ينشد في رثائه:

ما غاب زايد لا والله ما غابا

                  لكنما عمره في عمرنا ذابا

 ما اختاره ربه إلا ليجمعه

                مع القريبين تقديرا وإعجابا

لا بل تخيره من يوم قلبه

            في أخلص الخلق أرحاما وأصلابا

واختاره يوم أجرى الخير في يده

             وفي المعروف سلالات وأحقابا

واختاره يوم ولاه وملكه

              ويوم أكسب حب الناس إكسابا

القائد الشهم من كفاه قد كفتا

               فاعشوشبت فأسال الخير فانسابا

وأخضبت من نواحيها إلى مدن

               نحو السماوات أبوابا فأبوابا

ويقول فيه نفس الشاعر أيضا:

من قال نفديه؟ نفدي تربة رويت

                   من روحه وهواء حوله طابا

ونفدي أملا من نفسه خضلا

                    شابت صروف وأهوال وما شابا

فلو يعيد عزيزا راحلا سبب

                     كنا ملأنا فضاء الله أسبابا

ومن قصيدة لنفس الشاعر تحت عنوانه:" بحر الزمان" يقول:

بحر هذا الزمان مد مديد

              وتمادى في كونه ويميد

واحد أي واحد؟ فهو عمر

               واحد الشكل واحد ووحيد

وعظيم فلا اللغات توفيه

                ولا شابهته في الصيد صيد

زايد واحد وعدّ كثير

                  فهو فرد في الرأي وهو عديد

وهو إنسان حكمة فالتجاريب

                    حدود، وما لهن حدود

وسواء في ذوقه السهل والصعب

                     ففي عرفه الوصول أكيد

ويقول كذلك:

إن قيل زايد أدنى الورد موردنا

                    لا ريب فيه وأقصاه الذي نرد

إن قيل زايد بعض القول محتشد

                    على المعاني وكل القول محتشد

إن قيل زايد طال العشب في دمنا

                      حتى استراح وطال الناس والبلد

إن قيل زايد قال العدل كنت به

                      عدلا وقال الورى: العدل والرغد

ويقول فيه شاعر آخر:

أستأذن الشعر، إما قمت مرتجفا

                على جلالك: هل للشعر أن يقفا؟

وفي ارتباكي للتاريخ غضبته

                 إذا ارتقيت ولم أشدد له كتفا

 يشع وجهك من حولي فمذ بصرت

                  بك العيون تراها أطرقت شغفا

زايد، ثم تجثو تحت نهضته

                   كل اللغات وتطوي دونه الصحفا

زايد، ثم يعلو ها هنا ألق

                   يشق كل ظلام في الفلا رصفا

هو اسمك اللغة الأوفى فلو جمعت

                        شمائل القول ما وفاك من وصفا

وقد منحت لتبقى في شهادتنا

                       حيا توحد فوق الريح ما اختلفا

وقال شاعر آخر:

 لزايد الخير في روح البلاد هوى

                    ما كان إلا برفع الشأن مقترنا

 له مع المجد رايات مرفرفة                     فالمستحيل له رأس الشموخ حنا

وانطلاقا من هذه القيم والمبادئ التي تجاوزت حدود الوطن لتعم الآفاق قمنا بتأليف كتاب" رؤية رجل التواصل العالمي في إسعاد القيادات والشعوب"؛ فاتخذ الكتاب من هذا المجلس منطلقا عم نفعه دولة الإمارات، وأصبح صالحا لتعميم التجربة في العالم ليحذو حذوها من ينشد تحقيق قيم السعادة والتسامح والمحبة بين شعب وقيادة البلد الواحد، وبينه وبلدان العالم الآخر...

وتم بفضل الله نجاح الجهود التي بذلناها في خيمة التواصل العالمية منذ مدة طويلة لنشر ثقافة المجالس مدارس لحكيم العرب الشيخ زايد طيب الله ثراه في ربوع الإمارات وفي غيرها من بلدان العالم.