المجلس الخامس (الجزء الثاني) – زايد ومفهوم السعادة

2019-10-09 13:41:28

ويروي أحدهم، وهو رئيس اتحاد الأدباء والكتاب في إحدى الدول العربية نموذجا لتعامل الشيخ زايد رحمه الله مع مواطني تلك البلدان من خلال قصة لقائه به ، والانطباع الذي تركه في نفسه.

يقول هذا الرجل: إنه كان في إحدى مدن بلاده حين وصل الشيخ زايد صحبة رئيس الدولة، وأنه خلال احتفال سكان المدينة بوصول الشيخ زايد قال قصيدة في المناسبة، وحين انتهى من إلقائها دعي للجلوس بين الرئيسين، وهم تكريم واضح الدلالة، وقد وضع الشيخ زايد يده على كتفه وسأله: من أي جامعة تخرجت؟ فقال له:إنه لم يدخل أي مدرسة في حياته! فقال له الشيخ زايد: إذن ستلتحق بالإعلام في أبوظبي، فقال الشاعر: إنه لا يمكن أن يغادر بلده ما دامت أمه على قيد الحياة!

ويروي لنا هذا الشاعر أن الشيخ زايد تأثر كثيرا بهذه الحادثة، وأبدى إعجابه بهذا النوع من الإصرار على القيم مهما كانت ظروف المرء...!

ويؤكد نفس الشاعر كذلك أن الشيخ زايد يملك لمسة وحسا إنسانيا يجعله يدخل القلوب بكل سهولة ودون تكلف؛ فهو من النوع الذي تحبه بمجرد أن تلتقي به.

 وليس هذا الإعجاب والتعلق بالشيخ زايد رحمه الله عند تلك البلدان وليد اللحظة ، ولا هو من باب المصادفة، ولا نستغربه بهذا الحجم إذا علمنا أن الشيخ زايد رحمه الله أخذ المبادرة بالتزامن مع نشأة الدولة الإماراتية إبان الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وبدأ مد جسور التواصل مع كثير من البلدان الفقيرة  وقتها؛ فكانت يد الخير أول ما وصلها في تلك الحقبة..!!

وهكذا حرص الشيخ زايد بنفسه على استقبال كل الوفود التي تزور الدولة، وكان يعرب لشخصياتهم عن ارتياحه لهم، واستعداده لمساعدتهم والوقوف إلى جانبهم حتى يتجاوزوا محنهم...!!

وكانت من خطواته الجريئة التي اتخذها في إطار عونه السريع السخي لبعض البلدان المحتاجة هي اكتتاب آلاف من مواطنيها للعمل في مختلف القطاعات بدولة الإمارات العربية المتحدة، وهي خطوة كان لها تأثير كبير في نفوس كل مواطني تلك البلدان؛ فخلال سنوات قليلة انتشل الشيخ زايد آلاف الأسر من الفقر والفاقة في وقت كانت فيه بلدانهم تعاني من ضعف في ثرواتها، وتعرض بعضها لعاديات الزمن..

وهكذا أصبح الآلاف من مواطني تلك البلدان يعملون في الإمارات مما مكنهم من إعانة أسرهم وأقربائهم، ومد يد العون للمجتمع؛ إذ بفضل الله عز وجل، ثم بفضل الجهود التي بذلها الشيخ زايد رحمه الله أصبحت جاليات تلك البلدان في دولة الإمارات العربية المتحدة تستفيد منذ نحو خمسة عقود من عائدات عملها في الإمارات؛ مما جعلها تتكفل بنفقات شريحة مهمة من مجتمعاتها، وبلغ بها الأمر أن أصبحت عائداتها السنوية تصل إلى ملايين الدولارات كل عام...!!

وهكذا بين ليلة وضحاها أصبحت الأسر من البلدان التي يعمل أبناؤها في الإمارات رمزا للحالة المعيشية الجيدة، واستطاع المئات منهم تكوين ثروات واستثمارات من خلال عوائد عملهم في الإمارات، كما احتلت دولة الإمارات العربية المتحدة مكانة واسعة متميزة وسمعة جيدة في نفوس تلك البلدان، وخير مثال على ذلك هو كما أسلفنا، العدد الكبير من القرى والأحياء السكنية في عواصم بعض الدول، وفي مناطقها الداخلية التي يطلق عليها أسماء إماراتية..!

وتزامنا مع ذلك جاء العمل الخيري الإماراتي في كثير من البلدان الشقيقة والصديقة للإمارات بتوجيهات من الشيخ زايد وقتها ليكون خير معين للملايين من البشر في تجاوز ظروفهم الصعبة، سواء بحفر الآبار أو بناء المساجد ودعم المدارس، أو بالتوزيعات المجانية للغذاء، وهو البرنامج الذي يتواصل اليوم بفضل الله، ثم بفضل المؤسسات الخيرية التابعة للدولة، وعلى رأسها مؤسسة الشيخ زايد الخيرية، ويمكن أن نقول إن البرنامج الخيري الإماراتي السنوي في البلدان التي كان الشيخ زايد رحمه الله يقدم لها العون يعد من أكبر البرامج الخيرية في البلدان، ويشمل مكافحة الفقر بتوزيع الأموال، وحفر الآبار ، وبناء السدود، وبناء المساجد، وإغاثة المتضررين، وإيواء وكفالة الأيتام، ودعم الأئمة والمعاهد العلمية، والمساهمة في تحسين الواقع المعيشي للطلاب عبر برنامج توزيع الأغذية والملابس وأموال الزكاة والصدقات والهبات، وكان هذا البرنامج قد وصل خلال السنوات الماضية إلى أقصى المناطق المعزولة في بلدان كثيرة، ووصل إلى سكان مناطق لم يصل إليها أي عمل خيري من قبل..

وقد ساهم البرنامج الإنساني الذي بدأه الشيخ زايد في تلك البلدان بمساعدات ومساهمات قيمة أصبحت خالدة في وجدان كل مواطن من مواطني تلك البلدان، وأصبح حب زايد وحب الإمارات إنسانا ومكانا جزء من شخصية شعوب تلك البلدان أيضا، حيث أضحت الإمارات العربية المتحدة من أعز البلدان العربية إلى قلوب الذين شملتهم الأيادي البيضاء للشيخ زايد طيب الله ثراه...