المجلس الخامس (الجزء الأول) – زايد ومفهوم السعادة

2019-10-08 14:10:39

مجلس زايد خارج الدولة

كان من عادة الشيخ زايد عندما يكون في زيارات خارجية سواء كانت رسمية أم شبه رسمية أم كانت زيارة خاصة أن يحرص على الالتقاء بأبناء شعبه وخاصة الدارسين الذين يلتقي بهم ويتحدث معهم ويشجعهم على طلب العلم والصبر على الغربة، ويقول لهم إن البلد بحاجة إلى أبنائه لنقل المعرفة والخبرات إليه، وبعد ذلك كان يقوم بتقديم هدية لأبنائه الدارسين عبارة عن مبلغ ثلاثة آلاف دولار لكل طالب.

وكذلك أيضا كان يلتقي برجال الأعمال المستثمرين في البلد الذي يزوره؛ فيذلل لهم الصعاب، ويتعرف على مشاريعهم ويدعمها ويشجعهم على المضي في أنشطتهم واستثماراتهم.

ومن القصص الواقعية التي تحضرني في هذه النقطة لقاء بين الشيخ زايد طيب الله ثراه وأحد رجال الأعمال من المواطنين المستثمرين، وذلك خلال زيارة الشيخ زايد لإحدى الدول العربية حيث طلب منه رجل الأعمال أن يدعمه في مشروع زراعي؛ فوافق له على ذلك، وقدم له الدعم، ووعده بأن يزوره بعد سنة، وفعلا نفذ رجل الأعمال المشروع وفق أحدث الأساليب التكنولوجية المتطورة، وبعد مضي سنة دعا الشيخ زايد لزيارة المشروع، وقال له أنا جاهز، وعندما قدم الشيخ زايد كانت المفاجأة الكبرى له الطريقة التي عمل بها المشروع؛ فهو مشروع لا تعمل فيه سوى الأجهزة التي يتحكم فيها عن بعد، ولا مجال فيه لليد العاملة؛ فكل الأشغال تقوم بها الأجهزة حسبما هو مطلوب ومرغوب..

وأمام هذا المشهد وهذا الصنيع قال الشيخ زايد مخاطبا رجل الأعمال: لقد قدمت لك الدعم على أساس أن تشغل اليد العاملة في البلد الذي أنت فيه ليكون ذلك بمثابة تقديم العون لهم، والتخفيف من البطالة في البلد، وسد خلة الفقراء، وأنت شغلت التكنولوجيا، وأنا أريدك أن تشغل الإنسان. وأمره أن يبحث من جديد عن ثلاثة آلاف إلى خمسة آلاف امرأة أرملة ومسكينة ليعملن في هذا المشروع، ويكون مشروعا يسهل العمل فيه، ويدر على هؤلاء النساء دخلا دائما يسد حاجتهن، ووعده إذا هو نفذ ذلك أن يستمر في دعم مشروعه إن شاء الله...

وفعلا نفذ رجل الأعمال الأمر بعد أن قام بدراسة في المنطقة للبحث عن العينة الأكثر احتياجا؛ فحصل على عدد يفوق الخمسة آلاف امرأة...!

وبعد سنة أو سنتين زار الشيخ زايد رحمه الله المشروع فوجد نحو خمسة آلاف امرأة أرملة تشتغل فيه، وأطفالهن حولهن يلعبون، ويساعدونهن في الأعمال..

ولما رأى الشيخ زايد هذا المشهد العجيب أمر ببناء مدرسة لهؤلاء الأطفال، ومنطقة سكنية لأسرهم... !!

وأذكر أنني كنت مرة في جلسة بخيمة التواصل العالمية، وحدثت الحاضرين بهذه القصة فقال لي رجل أعمال من أوربا كان من بين الحضور: وهل هذا المنهج الذي حدثتنا عنه ما زال عليه أبناء زايد حتى الآن؟ فقلت له: نعم. ما زالوا عليه لأنهم أبناء بررة بأبيهم وبوطنهم، ونحن كذلك من باب برنا ووفائنا وردنا لجميل قيادتنا، ولن يتغير ذلك إن شاء الله؛ لأن هناك أجيالا أخذوا الالتزام بهذه العادة الحميدة على عواتقهم، وسيحافظون عليها وعلى تطبيقها واستمرارها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا...!

 ومما تقدم نلحظ نظرة الشيخ زايد طيب الله ثراه للإنسان من خلال المجال الزراعي؛ فهي نظرة ملؤها الحب والوفاء والعطف والحنان...!

ويمكن أن نلحق بهذا المجلس نوعا آخر من لقاءات الشيخ زايد خارج الوطن مع شخصيات رسمية وغير رسمية؛ حيث كان يغتنم الفرصة فيها لتقديم المساعدة للآخرين والتعاطف معهم، ويحرص في نفس الوقت على استقطاب المبدعين والمفكرين والشعراء والإعلاميين لبلده أنى وجدهم...!!

ويمكن أن نورد هنا مثالا على ذلك، وهو يبين في نفس الوقت الإعجاب والحب الكبيرين اللذين يكنهما الآخرون للشيخ زايد طيب الله ثراه كحصاد لما بذره وغرسه في نفوسهم من آثار أياديه البيضاء، وصفاء حب وعطف من قلبه النقي، ونأخذ هذا المثال من بعض البلدان العربية..

هذا المثال ورد في إحدى الصحف الخليجبة خلال مقال لأحد الكتاب العرب يقول فيه صاحبه: إن ظاهرة الأسماء الإماراتية في شخصيات وأماكن في بعض الدول العربية ظاهرة لافتة، لكن ليس عندما نبحث في جذور هذه المسألة التي تعد ظاهرة لافتة اليوم، أينما ذهبت في القرى النائية سيستوقفك اسم إماراتي.

ولكن باختصار تترجم تلك الظاهرة جانبا من قصة حب أصحاب تلك الأماكن للشيخ زايد رحمه الله، قصة الحب والتقدير التي لا تخطئها عين ولا أذن منذ بواكير علاقة الإمارات مع تلك الدول التي حقق لها الشيخ زايد في حياته إنجازات شاخصة تتحدث عن نفسها، ولعل أهمها وأبقاها هو ذلك الجانب الشخصي في هذه العلاقة.

فروايات الشخصيات في تلك البلدان تتواتر حول التقدير الذي كان يكنه الشيخ زايد لهم؛ فكان يحفهم بعناية خاصة، وكان يكبر عامتهم وخاصتهم، ويجل علماءهم، بل ويحيطهم باهتمام كبير، وترك الشيخ زايد انطباعات إنسانية بالغة التأثير في نفوس الذين التقوا به من تلك البلدان، والذين ربطته بهم صلات مباشرة وغير مباشرة.